ملف 9
الفصل التاسع: تنزيه الباقر عن القول بنظرية "الإمامة"
لقد رأينا في الفصل الأول، أن الإمامة في الإسلام لم تكن جزءا من الدين، ولذلك لم يتحدث القرآن الكريم ولا الرسول الأعظم عنها لا كنظام ولا كأشخاص، ولم يكن المسلمون الأوائل يفهمون آية:"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" النساء 59 كنص يؤسس لمصدر تشريعي ديني أو سياسي ثالث في إزاء الله والرسول، كما لم يفهم الإمام علي النصوص النبوية التي تشيد بفضله، كحديث الغدير، كنص بالخلافة أو الوصية إليه بالإمامة.[1] ولذلك "لم يدعُ إلى نفسه وأقر القوم على ما صنعوا وكتم أمره" حسبما يقول الإمام محمد الباقر.[2]
وكذلك لم يفهم الشيعة الأوائل (في عهد الإمام علي والحسن والحسين) التشيع لأئمة أهل البيت "مذهبا دينيا"، وإنما انتماء سياسيا فقط. وقد استمر التشيع "السياسي" الى القرن الثاني الهجري، حيث حدث نوع من التطور في الفكر الشيعي بتحوله من سياسي الى ديني، على أيدي "الإمامية" الذين نسبوا فكرة "الإمامة الإلهية" إلى الإمامين محمد بن علي الباقر وابنه جعفر الصادق، سراً. وبالرغم من النصوص الكثيرة (غير المتواترة) التي جاء بها الإمامية فسوف نحاول في هذا الفصل التأكد من موقف الإمامين الباقر والصادق من نظرية الإمامة، ودراسة "الأدلة" والروايات التي تتحدث عن نظرية "الإمامة الإلهية". وسوف نعتمد في دراستنا على عدة جوانب نظرية وتاريخية وعقلية ورجالية.
لقد نشأت بذرة نظرية "الإمامة الإلهية" من فكرة شمولية الشريعة الإسلامية لكل شيء في الحياة وعدم وجود مجالات مدنية متروكة للعقل الإنساني لكي يفتي فيها حسب الظروف الزمانية والمكانية، مثل المجال السياسي وطريقة الحكم وكيفية انتخاب الحاكم وإدارة الدولة وما إلى ذلك. وهذه فكرة خاطئة لم توجد في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية حيث يقدم الإسلام مجموعة أحكام في بعض الأمور ويترك مساحات واسعة للعقل الإنساني لكي يبدع فيها. وقد حاول بعض الفقهاء كالإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي أن يقيسوا المسائل الحادثة على المسائل والأحكام الثابتة في الشريعة، في الوقت الذي كان بعض المحدثين يفتح نوافذه لاستقبال أي حديث منسوب الى النبي (ص) مما أدى الى تكاثر الأحاديث خلال قرون الى أكثر من مليون حديث. وقد رفض الإمام الباقر والصادق الأحاديث المتداولة والمشكوك بصحتها، كما رفضا منهج الاجتهاد أو القول بالرأي والقياس. [3] والثابت لدينا من مذهب الباقر والصادق أنهما كانا يتمسكان بالقرآن الكريم والسنة الثابتة التي تصح عندهما والمروية عن آبائهما وأجدادهما. وقد رويا عن رسول الله (ص) أنه قال:"... إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق. ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدل على خير سبيل ... فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل على المعرفة".[4]
ولكن الإمامية رووا بالإضافة إلى ذلك فكرة أخرى هي:" انحصار العلم في أهل البيت" ونسبوها الى الباقر والصادق، ولا شك أن موقف الباقر السلبي من الأحاديث الضعيفة التي كان يتداولها أهل الحديث بتساهل، كان موقفا إيجابيا، كما أن دعوته للعودة إلى القرآن الكريم، كانت دعوة إيجابية مهمة أيضا، ولكن المشكلة كانت تكمن في حصر "الإمامية" لعملية فهم القرآن به "وبمن خوطب به". [5] وبادعائهم توارث العلم في سلالة معينة.[6] و"أن رسول الله (ص) وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي".[7] و:"كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل".[8] وهذا ما كان يعني رفضهم الاعتراف بوجود علماء آخرين في الأمة غير أئمة أهل البيت. في حين أن القرآن يخاطب عامة الناس أو المسلمين، ولم يأتِ ليخاطب سلالة معينة أو أشخاصا معينين في الأمة، وبالتالي فان معرفة القرآن مفتوحة لجميع المسلمين. ولا يمكن لأحد أن يصادر هذا الحق منهم.
ومن هنا فان دعوى الإمامية بوراثة الباقر لعلم النبيين الذي أودعه الرسول الأعظم عند الإمام علي، بلا دليل. [9] وبالتالي فان موقف الشيعة السلبي من الفقهاء المعاصرين للإمام الباقر كان غير مبرر. [10] وإذا كان جبرئيل قد نزل على النبي محمد (ص) فلا يعني أن أهل البيت يمتازون بدرجة على غيرهم، وأنهم أعلم بالقرآن من الآخرين، كما تقول رواية منسوبة إلى الباقر " فوالله لا يؤخذ العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل عليه السلام".[11]
ومع ذلك يفشل الإمامية في تقديم مثل نموذجي على أعلمية الإمام الباقر على غيره من المفسرين، بل يسيئون إليه برواية تعتمد على التأويل التعسفي ، حسبما يقولون ان الباقر سأل قتادة فقيه أهل البصرة عن معنى قوله تعالى:" وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين" فقال قتادة : أي من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله، ولكن الباقر رفض هذا التفسير وقال له :"إنه من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفا بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله عز وجل:"واجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم" ولم يعنِ البيت فيقول:"إليه". وأضاف:" فنحن والله دعوة إبراهيم (ع) التي من هوانا قلبُه قُبلت حجته وإلا فلا".[12] وهذا في الحقيقة تأويل يصعب على أي إنسان قبوله. ويشكل محاولة لإضافة طقس جديد في الحج وإشراك الأئمة في عبادة الله. ونشك بصحة نسبته إلى الإمام الباقر.
وحسبما يقول الإمامية فان دعوى حصر العلم بأهل البيت، كانت تقوم في البداية، على دعوى امتلاك الباقر لكتب خاصة بخط علي، كان يعبر عنها أحيانا بكتاب علي أو مصحف فاطمة أو الجفر أو الجامعة. [13] وهي كتب سرية غير متواترة أي أنها أخبار آحاد مشكوك فيها، لا تقاوم الأخبار المتواترة أو أخبار الآحاد المتداولة بين عامة المسلمين. وبالتالي فإنها لا تعطي الأئمة أية أفضلية لاحتكار العلم الديني ومنع الآخرين من الرواية والاجتهاد.
ولكن الأمر لم يتوقف عند دعوى وجود الكتب الموروثة، وإنما امتد لدعوى أخرى أخطر منها، وهي امتلاك الأئمة علما خاصا من الله، يؤهلهم للقيام بدور "الحجة" على العباد.[14] والادعاء بأن الأئمة هم خزان علم الله في سمائه وأرضه. وأنهم شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة. وموضع سر الله. [15]
وروى الصفار حديثا عن الباقر يرسله إلى الله تعالى أنه أوحى للنبي (ص):" يا محمد (ص) قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والآثار والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة في أهل بيتك عند على بن أبي طالب فاني لم اقطع علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم اقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم".[16]
إن هذه الأحاديث تضعنا أمام دعوى جديدة شبيهة بالنبوة، وهي ليست مرفوضة فقط وإنما مستنكرة من قبل الأئمة أنفسهم الذين يصرحون في أحاديث أخرى أنهم ليسوا أنبياء، وإذا افترضنا جدلا أن تلك الأحاديث صادرة عن الأئمة، فإنها لا يمكن أن تصدق بسهولة، ولا يمكن الاعتماد على الأئمة أنفسهم في روايتها، وإنما يطالبون بالدليل المعجز الذي يبت صحة كلامهم، كما يطالب الأنبياء بالأدلة والبراهين "الإعجازية". وعندما لم يفعل الأئمة ذلك نعلم أن تلك الأحاديث مختلقة عليهم ومؤلفة من الغلاة الذين كانوا يدعون النبوة للأئمة ويدسون أنفسهم في صفوف الشيعة.
ويبدو أن الغلاة أدركوا ضخامة دعواهم "بأن الأئمة خزان علم الله في سمائه وأرضه. وأنهم شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة. وموضع سر الله" وتضمنها لدعوى النبوة، فقاموا بتأليف حديث آخر يخفف اللهجة بالتمييز بين النبوة والعلم الإلهي فرووا عن الباقر أنه قال :" نزل جبرئيل على محمد (ص) برمانتين من الجنة، فلقيه علي (ع) فقال: ما هاتان الرمانتان اللتان في يدك؟ فقال: أما هذه فالنبوة، ليس لك فيها نصيب، وأما هذه فالعلم، ثم فلقها رسول الله (ص) بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله (ص) نصفها ثم قال: أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه، قال: فلم يعلم والله رسول الله (ص) حرفا مما علمه الله عز وجل إلا وقد علمه عليا، ثم انتهى العلم إلينا، ثم وضع يده على صدره".[17]
ولكن هذا الفصل بين النبوة والعلم الإلهي يصعب تصوره، إذا قلنا بأن العلم الموروث للأئمة علم خاص يختلف عن التعلم والاجتهاد المتاح لجميع الناس. وهو ما كان الإمامية يحاولون ادعاءه.
وقبل أن نسترسل في الحديث، يجدر بنا التوقف قليلا عند الرواية الآنفة التي يرويها الصفار، فهي تدعي أن الباقر يروي عن الله تعالى دون أن يسند حديثه حتى إلى رسول الله، وهو حديث لم يعرف أبدا عن غير الباقر، ثم تقول إن جبرئيل نزل برمانتين من الجنة، وهذا أمر لم يحدث في كل حياة الرسول، ولا دليل عليه، وتقول أيضا بأن النبي أعطى الإمام علي نصف رمانة، كناية عن العلم، لتقول أن الإمام علي أصبح شريك الرسول في العلم، لتدعي بعد ذلك بأن الباقر أصبح وريثا لذلك العلم. وكل هذه الأقوال ادعاءات فارغة مناقضة لخاتمية النبوة بمحمد، وهي أقرب ما تكون إلى أقوال الغلاة والمنحرفين.
وعلى أي حال لم يترك الإمامية آية من القرآن الكريم إلا واستغلوها لدعم دعواهم في احتكار الأئمة للعلم الديني "الإلهي" حيث رووا عن الباقر أنه قال:" نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون".[18] وأنه فسر قول الله عز وجل: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" بأهل البيت، وأنه روى عن رسول الله (ص) حديثا يقول فيه:" الذكر أنا والأئمة أهل الذكر".[19]
ولكن هذه الروايات ضعيفة ومرفوضة لأنها تخالف سياق الآية بوضوح، حيث وردت هكذا:" وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر، إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر..." النحل 43 و 44 وهي صريحة بطلب السؤال من أهل الكتاب للتعرف على مواصفات الأنبياء السابقين الذين كانوا رجالا، وهي ليست بالتأكيد في معرض الخطاب للمسلمين والطلب منهم السؤال من أهل البيت في المستقبل. وقد وردت الآية مرة أخرى في سورة الأنبياء هكذا:" وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر، إن كنتم لا تعلمون،وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين" الأنبياء 7 و 8 حيث يتضح المعنى من السياق العام للآية الذي يركز على طبيعة النبي البشرية المشابهة لطبيعة الأنبياء السابقين، والآيتان لا تطلبان من المسلمين أو المشركين الاستعانة باليهود والنصارى لإثبات نبوة النبي محمد، وإنما تطلبان السؤال عن طبيعة الأنبياء البشرية من أجل يكف المشركون عن الاستغراب من نزول الوحي على رجل، أو كونه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
ولكن الإمامية قاموا باقتطاع فقرة من الآية وأهملوا ما قبلها وما بعدها، وأوَّلوها كما يشاءون لدعم دعواهم باحتكار الأئمة للعلم الديني وتفسير القرآن.
وواصل الإمامية طريقتهم في تأويل القرآن، بصورة تعسفية فرووا عن الباقر أنه أكد أن آية " بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" تعني الأئمة، وأنه أومأ بيده إلى صدره. [20] وقال: "إن هذا العلم انتهى إليّ في القرآن".[21] رغم أن الآية عامة ولا تحمل أي مؤشر لتخصيصها في الأئمة أو الباقر بالذات.
ولم يترك الإمامية آية فيها كلمة "العلم" إلا زعموا أن المقصود بها الأئمة من أهل البيت دون أن يقدموا أي دليل على دعواهم. [22] في حين أنهم كانوا يرفضون أن يدعي ذلك أي أحد غير "الأئمة" حتى لو كان من أهل البيت أو من الحسنيين مثلا، ويسارعون إلى اتهامه بالكذب.
ويأتي على رأس آيات "العلم" تفسيرهم لقول الله عز وجل: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ". آل عمران 7 حيث يقوم الإمامية بتقطيع الآية كما يشاءون، بصورة تعسفية، ليستدلوا بها على رأيهم، بأن المقصود منها أئمة أهل البيت، حيث يعطفون "الراسخون" على كلمة "الله" بحيث يصبح المعنى: "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " ليقولوا بعد ذلك:"فرسول الله (ص) وآله أفضل الراسخين في العلم، قد علمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله" ويضيفوا إليها كلمة مقدرة محذوفة (والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم): " يقولون آمنا به كل من عند ربنا " . وذلك حتى يصبح للفقرة الأخيرة معنى. [23] بينما الآية تقول بوضوح "وما يعلم تأويله إلا الله" وتبدأ جملة أخرى:" والراسخون في العلم يقولون: آمنا به كلٌ من عند ربنا".
ولا نحتاج إلى عناء كبير لرد تأويلات الإمامية لعدد من الآيات كقوله تعالى:"قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب" وقوله:" ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " وتفسيرها بأنها تعني: الأئمة من أهل البيت.[24] لأنهم كالعادة لا يقدمون أي دليل على دعواهم. وتبدو الركاكة واضحة في كثير من الروايات التي ينسبها "الإمامية" إلى الباقر في تأويل عدد من الآيات القرآنية وتفسيرها بصورة تعسفية، مثل:" الله نور السموات والأرض" بأنه يعني: العلم والوصية لأهل البيت الذين"يكادون أن يتكلموا بالنبوة ولو لم ينزل عليهم ملك".[25] وقوله تعالى: "ويمحوا الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور" بتفسير الحق بالولاية.[26]
ويلاحظ أن الإمامية كانوا يحاولون تغطية تأويلهم التعسفي للقرآن بالادعاء بصعوبة فهم الناس له، وعدم معرفة أحد به إلا الأئمة، حتى إذا قدموا عدة تفسيرات مختلفة لآية واحدة، وفي هذا يقول جابر بن يزيد ( وهو من أكابر الغلاة، وكان من الكربية):" سألت أبا جعفر عن شيء من التفسير ، فأجابني، ثم سألته عنه ثانية ، فأجابني بجواب آخر ، فقلت: كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا، فقال: يا جابر! إن للقرآن بطنا وللبطن بطنا وله ظهر، وللظهر ظهر، يا جابر! وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، وإنّ الآية يكون أولها في شيء ، وآخرها في شيء ، وهو كلام متصل متصرف على وجوه".[27] وإذا كان ما ينقله الإمامية عن الباقر صحيحا – ولا نعتقد بصحته – فيبدو أنه كان يفسر القرآن كيفما يشاء وبعيدا عن العقل والمنطق الصحيح، ويقول إنه من تفسير الباطن.
وعندما نسأل الإمامية: ما هو الدليل على صحة كلامهم؟ وما هو الفرق بين التفسير الصحيح والتأويل التعسفي؟ لا يقدمون لنا أية حجة. بل يقومون أحيانا بإضافة بعض الكلمات إلى بعض الآيات من عندهم لتنسجم مع نظريتهم في الإمامة الإلهية، ويدعون – على لسان الأئمة – "أنها نزلت هكذا". حيث كان بعضهم يدعي أيضا امتلاك الأئمة للنسخة الكاملة من القرآن، و" ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب (ع) والأئمة من بعده (ع)".[28] و"ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء".[29]
وهكذا زعم بعض الإمامية أنه لا يمتلك أحد القرآن الكامل إلا الإمام، ولا يعلم أحد معاني القرآن إلا الإمام، وهو ما مهد لتحويل الأئمة من أهل البيت إلى "مصدر تشريعي" جديد فوق القرآن والسنة النبوية.
إن ادعاء الإمامية منصب "الإمامة الإلهية" لمحمد الباقر ، أدى بهم إلى ادعاء امتلاكه "العلم الإلهي" الذي لا تحده حدود، ولم يعد الأمر يقتصر على الوراثة عن طريق الكتب، ولا علم تفسير القرآن، وإنما رفعوه إلى السماء ، فرووا عنه أنه قال: " لا والله لا يكون عالمٌ جاهلا أبدا، عالما بشيء جاهلا بشيء.. الله أجل وأعز وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه.. لا يحجب ذلك عنه".[30] وأنه قال: "عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا أئمة ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله (ص) ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لأمرنا، أترون أن الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم؟!".[31] وأنه قال: "إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق".[32] وكل هذه الروايات مرفوضة ولا يمكن تصديقها، بل نكاد نجزم بوضعها على لسان الباقر، لأنها بصراحة مخالفة للقرآن الكريم الذي ينفي علم الغيب عن أحد غير بعض الرسل "إلا من ارتضى من رسول" . وقد رفضها بعض الشيعة في ذلك الزمان مثل حمران بن أعين الذي تمسك بقوله تعالى:"عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا". ولكن الإمامية يقولون ان الباقر رد عليه قائلاً: "إلا من ارتضى من رسول. وكان والله محمد ممن ارتضاه... فأما العلم الذي يقدره الله عز وجل فيقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله (ص) ثم إلينا".[33] ولسنا نعرف هل اقتنع حمران بهذا الرد أم لا؟ ولكنا نعلم أن استثناء النبي وبعض الرسل جاء صراحة بالقرآن الكريم، في حين لا يوجد دليل على انتقال علم الغيب من النبي للأئمة وللإمام الباقر. وأن الله تعالى لم يقل" إلا من ارتضى من رسول أو إمام". ومن هنا نشك باختلاق الرواية من قبل الغلاة (من أمثال أبي بصير وعمرو بن شمر وجابر بن يزيد) ونسبتها للباقر.[34]
ويشكِّل القول بنظرية "المحدَّث" ونسبتها إلى الإمام الباقر، قمة التلفيق والتزوير والكذب. وقد روج لها الغلاة في مرحلة متطورة بعد القول بالحاجة إلى الإمام "الحجة" الذي يمتلك وحده القرآن الكامل الصحيح، والذي يمتلك وحده أيضا علم الكتاب، والقدرة على تفسيره وتأويله، وعلم الغيب واسم الله الأعظم. ولما كانت نظرية "الإمامة" تقول بأن الأئمة معينون من قبل الله وإن علمهم إلهي فكان لا بد أن يدعوا تحديث الملائكة للأئمة. وقد استعرضنا في (فصل سابق) كثيرا من الروايات التي نسبوها إليهما، حول نزول الملائكة في ليلة القدر، وتحدثهم مع الأوصياء .[35] ووضع الأئمة في مصاف الملائكة والأنبياء والرسل في تلقي العلم من الله: "فما نبذه إلى ملائكته ورسله فقد انتهى إلينا".[36] وإضافة "المحدَّث" إلى هذه الآية: "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي (ولا محدَّث)".[37]
ومع استبعادنا تماما لتبني هذه الدعوة الضالة من قبل الإمام الباقر، فان الغلاة يصرون على نسبتها إليه، ويتحدثون عن رفض واستنكار أقرب المقربين له لدعوى "المحدَّث" مثل عمه (عبد الله بن زيد، شقيق الإمام علي بن الحسين لأمه).[38] وحمران بن أعين وأبو حمزة الثمالي والمغيرة بن سعيد، الذين استنكروا إضافة كلمة "المحدث" في الآية:"وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث" فقالوا : ليست هكذا هي. [39] ولكن الغلاة يصرون على موقفهم ويزعمون أن الباقر قال لهم: "إنها في كتاب علي" ، فقال أبو حمزة والمغيرة: وأى شئ المحدث؟ فقال: ينكت في أذنه فيسمع طنينا كطنين الطست أو يقرع على قلبه فيسمع وقعا كوقع السلسلة على الطست. [40] وأن حمران سأله : هل هو نبي أو رسول؟ فقال: لا ، بل مثله مثل صاحب سليمان ومثل صاحب موسى ومثله مثل ذي القرنين.[41]
وبالرغم من محاولة التفريق بين النبي و"المحدَّث" ونفي النبوة عن الأئمة، إلا أن تعريف الرواة لحديث الملائكة مع الأئمة بالنكت في الآذان والقرع في القلوب هو الوحي بعينه، إذ لا يختلف الوحي عن شيء من ذلك. حيث يقول الباقر:" الأنبياء على خمسة أنواع منهم من يسمع الصوت مثل صوت السلسلة فيعلم ما عنى به ومنهم من ينبأ في منامه مثل يوسف وإبراهيم ومنهم من يعاين ومنهم من ينكت في قلبه ويوقر في أذنه".[42]
وبما أن دعوى "المحدَّث" مناقضة لخاتمية النبي محمد (ص) وأنها بنيت على أساس القول بتحريف القرآن، فإنا نرفضها بشدة، ولا نصدق الروايات التي تنسبها لأهل البيت، وحتى لو صحت تلك الروايات فرضا، فانا غير ملزمين بقبولها من أي أحد. كما لا نقبل دعوى تحريف القرآن من أي أحد.
ومن الملفت للنظر أن الغلاة الذين كانوا يرددون تلك الدعوى، كانوا يلفونها بستار من السرية والكتمان، ويقولون إن الباقر لامَ حمران بن أعين على إخبار الحكم بن عيينة بها، قائلا:" لا تحدثه وأشباهه بمثل هذا الحديث".[43] وهذا ما يثير عددا من الأسئلة: إذا كانت الدعوى قائمة على أسس ثابتة وصحيحة فلماذا يخاف الباقر من انتشارها؟ وإذا كانت كاذبة وضعيفة فلماذا يتفوه بها؟
وبالرغم من شكنا بكل تلك الروايات الواردة حول "المحدَّث" ونسبتها إلى الإمام الباقر، فان تلك الروايات تتحدث عن اضطراب كبير حصل لدى الشيعة الذين أخذوا يتوافدون على الباقر ويسألونه عن هذه الدعوى العجيبة الغريبة : هل هي النبوة؟.[44] وهل يفوق علم الأئمة على علم النبي، مع استمرار نزول الوحي عليهم؟، وأن الباقر أجابهم: "أما إنه إذا كان ذلك عرض على رسول الله (ص) ثم على الأئمة ثم انتهى الأمر إلينا".[45]
ويبدو من الحوار الجريء الذي جرى بين رجل من الشيعة والباقر.[46] - إن ثبتت صحة الحديث - أن المحاور الشيعي كان رافضا لدعوى نزول الملائكة على الأئمة، وأن الحوار كان محرجا للإمام الباقر الذي أحس منذ البداية بذكاء المحاور، فقال: "مالي ولك أيها الرجل ومن أدخلك علي؟" وأنه أفحمه مرتين، مما اضطره للقول:" هذا مما أمروا بكتمانه، ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلا الله عز وجل" و "لا يحل لك أن تسأل عن هذا.. أما هذا العلم الذي تسأل عنه فإن الله عز وجل أبى أن يطلع الأوصياء عليه إلا أنفسهم". وأن المحاور حاول التملص من الإيمان بمقولة "المحدَّث" التي لم تدخل عقله:" يا أبا جعفر لا أستطيع إنكار هذا؟" فهدده الباقر قائلا:" من أنكره فليس منا".[47]
ولكنا نعتقد أن الرواية موضوعة من أساسها، وإن صحت فإنها تحمل أدلة الرفض من عامة الشيعة لدعوى "المحدَّث" واشمئزاز قلوبهم منها.
ومن المؤكد أن مقولة "المحدَّث" وكثيرا من مقولات الغلاة الأخرى (كامتلاك الأئمة للقرآن الكامل الصحيح، وعلمهم بالغيب) كانت تثير ردود فعل واسعة عند الشيعة المعتدلين الذين كانوا يرفضون تصديق كل حديث يروى عن أهل البيت، ويشمئزون من بعضها إذا كان يتعارض مع القرآن الكريم والعقل السليم، ولذا فان الغلاة كانوا يحاولون تمرير مقولاتهم بنسبة أحاديث أخرى للأئمة ترفض التفكير في أحاديثهم والتمييز بين المعقول منها وغير المعقول، كهذا الحديث الذي نسبه الغلاة للباقر:"إن أسوأهم عندي حالا وأمقتهم للذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يقبله اشمأز منه وجحده وكفَّر من دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند، فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا".[48] وهذا الحديث الذي نسبوه إلى رسول الله (ص) أنه قال:" إن حديث آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمد (ص) فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد، وإنما الهالك أن يحدث أحدكم بشيء منه لا يحتمله، فيقول: والله ما كان هذا والله ما كان هذا، والإنكار هو الكفر".[49]
ومن الواضح أن هذه الأحاديث تحاول تحريم التفكير على الشيعة، وفرض حالة من التقليد الأعمى عليهم وإجبارهم على قبول أي حديث ينسب إلى أئمة أهل البيت مهما كان أسطوريا، وتهديدهم بإخراجهم من ولايتهم، في حين أن المنطق الإسلامي يحتم رد بعض الأحاديث المغالية، كدعوى "المحدَّث"، حتى لو كانت صادرة من الأئمة أنفسهم، وحاشاهم أن يقولوا بمثل تلك الأحاديث. وقد قال الإمام الصادق في الرد على الغلاة: "والله لو ابتلوا بنا وأمرناهم بذلك لكان الواجب أن لا يقبلوه".
وهذا ما قام به الشيعة المعتدلون في زمن الباقر، الذين رفضوا مقولات الغلاة وكفروهم، وتبرءوا منهم.[50] وكان من المتوقع أن تشق دعوى "المحدَّث" صفوف الشيعة الذين لم يهضم كثير منهم الحكاية، ولم يسلموا لكل ما كان يقول الغلاة، بل وكانوا يستنكرون بعضها. وربما كان بعضهم يرفض تصديق الأحاديث التي تروى عن رسول الله مثل "إن حديث آل محمد صعب مستصعب" ولا بد أنهم كانوا يتساءلون مثلما نتساءل الآن: هل كان حديث آل محمد جزءا من الدين الإسلامي ؟ أم لا؟ ولماذا هو صعب بهذه الدرجة؟ حتى لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان؟ وماذا عن بقية الناس؟ أم أن هذا حديث مختلق على لسان رسول الله، خاصة وانه يأتي بلا سند، ليكسر مقاومة الشيعة الذين كانوا يرفضون الغلو في أهل البيت، ويشمئزون منه وينكرونه ويردونه؟
فشل محاولة إثبات الإمامة للأئمة
وقد فشل "الإمامية" في إثبات "الإمامة الإلهية" لأهل البيت، رغم روايتهم لمجموعة من الأحاديث عن النبي الأكرم (ص) مثل:
أ - حديث العترة أو الثقلين
فقد رووا عن الباقر عن جابر بن عبدالله الأنصاري أن رسول الله (ص) قال :" يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين.. إن تمسكتم بهما لا تضلوا ، ولا تبدلوا.. الثقل الأكبر كتاب الله ... والثقل الأصغر عترتي وأهل بيتي، ولا يزال كتاب الله والدليل منا يدل عليه حتى يردا عليَّ الحوض ".[51] وأن الباقر اعتبر نفسه بناء على ذلك دالاً على الكتاب. فهذا ما لا يمكننا تصديقه، للأسباب التالية:
أولا: لأن صيغة هذا الحديث لم تثبت، وقد أورده مسلم بصيغة مغايرة:" أما بعد ، ألا أيّها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثم قال : وأهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي". وقد ورد بعبارة أخرى هي " كتاب الله وسنتي". وروي عن الباقر أيضا بعبارة أخرى هي: "إني تارك فيكم الثقلين ، أما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ".[52] من دون إضافة " ولا يزال كتاب الله والدليل منا يدل عليه حتى يردا عليَّ الحوض ".
ثانيا: هناك رواية أخرى عن الباقر فيها إضافة مختلفة هي "الكعبة البيت الحرام" ليصبح الحديث هكذا: " أيها الناس إني تارك فيكم حرمات الله : كتاب الله ، وعترتي ، والكعبة البيت الحرام ". وفي هذه الرواية تتمة تدعي أن كتاب الله قد تعرض للتحريف. وهو أمر مخالف لصريح القرآن الكريم، مما يضعف الرواية من أساسها.[53]
ثالثا: ان رواية الباقر عن جابر كانت موضع شك، وحسبما ينقل الإماميون أنفسهم عن الإمام جعفر الصادق " فإن أهل المدينة كانوا ينكرون على الباقر روايته عن رسول الله (ص)، ويقولون: ما رأينا أحدا قط أكذب من هذا يحدث عمن لم يره. فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله فصدقوه، وكان جابر والله يأتيه يتعلم منه". [54]
رابعا: إن مفهوم "العترة" في جميع الروايات غير محدد، وكما قلنا فان العترة تعني القرابة، وهي تشمل جميع أقرباء الرسول (ص) من الهاشميين: كالعباسيين والطالبيين (آل جعفر وآل عقيل وآل علي)، وأما "أهل البيت" فهي تشمل نساء النبي أيضا.[55] ولا يمكن تحديدها بسلالة علي بن أبي طالب فقط، أو بالأئمة الخاصين أو بالإمام الباقر. وحسب رواية أبي الجارود فان الباقر كان يحاول إثبات بنوته لرسول الله (ص) في مقابل العباسيين الذين كانوا ينكرون ذلك، ولكنه لم ينفِ شمول حديث العترة للعباسيين ولغيرهم من الطالبيين والعلويين.[56]
خامسا: وإذا صح هذا الحديث فانه لا يتضمن معنى الإمامة والخلافة، وإنما الوصية بالعترة أو أهل البيت. ولا دلالة في الكلمتين على حصر الإمامة في ذرية علي والحسين، كما قال الإمامية، الذين رووا عن الباقر تفسير كلمة "أهل البيت" بالأئمة من نسل الرسول.[57] كما لا دلالة في الحديث على كون أحد من "العترة" بالخصوص دليلا على القرآن أو مختصا بتفسيره وترجمته وتأويله.
ب – آية أولي الأرحام
وقد استدل "الإمامية" بآية أولي الأرحام:" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" كدليل على حصر الإمامة في ذرية النبي، فرووا عن الباقر أنه قال:" إنها نزلت في الإمرة، فنحن أولى بالأمر وبرسول الله (ص) من المؤمنين والمهاجرين والأنصار".[58] ولكن الرواية لم تثبت عن الباقر أنه قال ذلك، وعلى فرض صحة الرواية فهو تأويل متعسف للآية البعيدة عن المفهوم السياسي، والتي تنص على أولوية القرابة في الإرث، والناسخة لنظام التوارث بالأخوَّة الإسلامية الذي كان معتمدا في بداية الهجرة، كما يفهم بوضوح من سياقها:" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا" الأحزاب 6 ومع ذلك فإنها لا تفيد الإمامية، إذ أن كلمة "أولي الأرحام" تشمل جميع أرحام النبي من العباسيين والطالبيين، وقد حاول الإمامية تفسيرها بالذرية فقط بدون دليل.[59] وذهبت محاولاتهم سدى.
ج – حديث الغدير
وبعدما فشل الإماميون في إثبات الإمامة "للأئمة" من أبناء علي والحسين، بالقرابة والعترة وما إلى ذلك، استشهدوا في وقت متأخر بحديث الغدير، وذلك بعد تطعيمه بالنص الصريح على إمامة علي بن أبي طالب، ونسبوا ذلك الى محمد الباقر، حيث نقلوا عنه أنه روى عن رسول الله (ص) أنه قال:" يا معشر المسلمين هذا وليكم من بعدي فليبلغ الشاهد منكم الغائب" وأنه دعا عليا فقال:" يا علي إني أريد أن أأتمنك على ما ائتمنني الله عليه من غيبه وعلمه ومن خلقه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه. فلم يشرك والله فيها أحدا من الخلق".[60] ومع الشك بصحة هذه الرواية التي ينقلها الكليني في "الكافي" وهو مصدر إمامي غير محايد، فإن الباقر – على فرض صحة الرواية عنه – لا يرويها بسند وإنما يرسلها إلى رسول الله (ص) رغم وجود فارق ثلاثة أجيال، وبالإضافة إلى أنها رواية شاذة تخالف الرواية التاريخية المعروفة والمتفق عليها بين السنة والشيعة، والتي لا تتضمن التصريح بالولاية بعد رسول الله، فإن روايتها عن الباقر تضعفها لأنها تمهد لدعوى الإمامة له.
قصيدة حسان بن ثابت يوم الغدير
وقد استدل بعض الإمامية المتأخرين بقصيدة اشتهرت عن حسان بن ثابت شاعر النبي (ص) على كون حديث الغدير نصا صريحا بنصب الإمام علي يوم غدير خم إماما على المسلمين، وقالوا بأن حسانا ألقاها يوم الغدير، بعدما أمر رسول الله مناديا فنادى: الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي وقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم؟ وال من والاه، وعاد من عاداه". فزعموا أن حساناً قال: يا رسول الله أقول في علي شعرا؟ فقال رسول الله (ص): افعل، فقال:
يناديهم يوم الغدير نبيهم = بخم و أسمع بالرسول مناديا
فقال فمن مولاكم و وليكم فقالوا = و لم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا و أنت ولينا و لن = تجدن منا لك اليوم عاصيا
فقال له قم يا علي فإنني رضيتك = من بعدي إماما و هاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا = له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه و كن = للذي عادى عليا معاديا
وقد رويت القصيدة بأربع أبيات فقط، كما وردت بتغيير في عجز البيت الثالث ليصبح هكذا:"ولم تلق منا في الولاية عاصيا" كما رويت بإضافة بيت سابع هو:"فيا رب انصر ناصريه لنصرهم..إمام هدىً كالبدر يجلو الدياجيا".
فقال فمن مولاكم و وليكم فقالوا = و لم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا و أنت ولينا و لن = تجدن منا لك اليوم عاصيا
فقال له قم يا علي فإنني رضيتك = من بعدي إماما و هاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا = له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه و كن = للذي عادى عليا معاديا
وقد رويت القصيدة بأربع أبيات فقط، كما وردت بتغيير في عجز البيت الثالث ليصبح هكذا:"ولم تلق منا في الولاية عاصيا" كما رويت بإضافة بيت سابع هو:"فيا رب انصر ناصريه لنصرهم..إمام هدىً كالبدر يجلو الدياجيا".
وقد استشهد الشيخ المفيد (المتوفى 413 هـ) بهذه القصيدة في إثبات نظرية الإمامة الإلهية لأهل البيت، فقال في " الفصول المختارة " ص 87 :" ومما يشهد بقول الشيعة في معنى المولى وأن النبي أراد به يوم الغدير: الإمامة؛ قول حسان بن ثابت على ما جاء به الأثر: أن رسول الله لما نصب عليا يوم الغدير للناس علما وقال فيه ما قال، استأذنه حسان بن ثابت في أن يقول شعرا فأنشأ يقول: يناديهم يوم الغدير نبيهم . الأبيات، فلما فرغ من هذا القول قال له النبي صلى الله عليه وآله: لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك، فلولا أن النبي (ص) أراد بالمولى الإمامة لما أثنى على حسان بإخباره بذلك، ولأنكره عليه، ورده عنه". وقال المفيد أيضا في: (رسالته في معنى المولى):" شعر حسان مشهور في ذلك... وهذا صريح في الإقرار بإمامته من جهة القول الكائن في يوم الغدير من رسول الله له، لا يمكن تأويله، ولا يسوغ صرفه إلى غير حقيقته".[61]
وقال أبو الفتح الكراجكي (المتوفى 449 هـ) في " كنز الفوائد " ص 123: "إن شعر حسان هذا قد سارت به الركبان وقد تضمن الإقرار لأمير - المؤمنين عليه السلام بالإمامة، والرياسة على الأنام لما مدحه بذلك يوم الغدير بحضرة رسول الله (ص) على رؤوس الأشهاد فصوبه النبي في مقاله".
وأشار عبد الحسين الأميني في كتاب "الغدير" إلى الجدل الشيعي السني حول معنى الولاية، فاستدل بالقصيدة على الرأي الشيعي (الإمامي) وقال:"قد أقره النبي صلى الله عليه وآله على ما فهمه من مغزى كلامه، وقرظه بقوله: لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك". ولكن الأميني لفت نظر القراء إلى التلاعب الذي حصل في القصيدة عبر التاريخ فقال:" يظهر للباحث أن حسانا أكمل هذا الأبيات قصيدة ضمنها نبذا من مناقب أمير المؤمنين عليه السلام فكل أخذ منها شطرا يناسب موضوعه". وأضاف:" إن لحسان في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مدايح جمة غير ما سبقت الإشارة إليه، وسنوقفك على ما التقطناه من ذلك، فمن هذه الناحية نعرف أن يد الأمانة لم تقبض عليها يوم مدت إلى ديوانه، فحرفت الكلم عن مواضعها، ولعبت بديوان حسان كما لعبت بغيره من الدواوين والكتب والمعاجم التي أسقطت منها مدايح أهل البيت عليهم السلام وفضايلهم". وقد افترض الأميني أن التحريف تم في قصيدة حسان بن ثابت باتجاه مضاد للإمامية، ولم يشر بالطبع إلى احتمال قيام الإمامية بتأليف القصيدة أو تحريفها باتجاه يخدم نظريتهم.
وفي الواقع لا نحتاج إلى عناء كبير لنكتشف اختلاق هذه القصيدة أو إضافة المفاهيم الإمامية إليها في وقت متأخر (في القرن الرابع الهجري) فيكفي أن نعرف أن محدثي ومتكلمي ومؤرخي الشيعة الإمامية لم يشيروا إليها ولم يذكروها في كتبهم السابقة (كالنوبختي في فرق الشيعة، والأشعري القمي في المقالات والفرق، والكليني في الكافي، والصفار في بصائر الدرجات مثلا) وأنها ظهرت في القرن الرابع، حسبما يذكر الأميني صاحب كتاب "الغدير" الذي يقول: إن "أقدم كتاب سبق إلى رواية هذا الشعر هو كتاب سليم بن قيس الهلالي التابعي الصدوق الثبت المعول عليه عند علماء الفريقين... وتبعه على روايته لفيف من علماء الإسلام لا يستهان بعدتهم". ثم يذكر الأميني أسماء اثني عشر محدثا من أهل السنة من القرن الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن وما بعدها، رووا القصيدة، أولهم: الحافظ أبو عبد الله المرزباني محمد بن عمران الخراساني (المتوفى 378 هـ) ثم يذكر الأميني أسماء ستة وعشرين عالما من أعلام الشيعة الإمامية أولهم الشيخ محمد بن علي بابويه الصدوق (المتوفى 381 هـ) ثم الشريف الرضي (المتوفى 406 هـ) والشريف المرتضى علم الهدى (المتوفى 436 هـ)[62] والشيخ الطوسي (المتوفى 460 هـ) الذين رووا القصيدة برواية سليم، ما عدا المؤرخ الشيعي المعاصر للطوسي، أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم بن يزيد الطبري (من رجال القرن الخامس الهجري) الذي يروي البيت الثالث هكذا:" إلهك مولانا وأنت ولينا ولا تجدن منا لك اليوم عاصيا" أي من دون تصريح بالولاية، على العكس مما جاء في الروايات الأخرى:" ولم تلق منا في الولاية عاصيا".
ونفهم من تزامن رواية الصدوق (المتوفى سنة 381) والحافظ المرزباني (المتوفى سنة 378) اللذين كانا أول من روى القصيدة من الشيعة والسنة، أن القصيدة ظهرت في القرن الرابع الهجري، حسبما يؤكد الشيخ الأميني الذي يقول إن "أقدم كتاب سبق إلى رواية هذا الشعر هو كتاب سليم بن قيس الهلالي ... وتبعه على روايته لفيف من علماء الإسلام لا يستهان بعدتهم".[63] وهذا كلام صحيح يتفق مع ظهور كتاب سليم في القرن الرابع الهجري.
وبغض النظر عن حجية روايات محدثي أهل السنة المتأخرين (من القرن الرابع ولاحقا) وفيما إذا كانوا يروون قصيدة حسان بن ثابت كما يرويها الشيعة الإمامية، صريحة حول الولاية والإمامة، أم لا؟ وفيما إذا كانوا يسندونها إلى رجال ثقاة معروفين غير رواة الإمامية؟ أم لا؟ وفيما إذا كانوا يعتقدون بصحتها ويؤمنون بها، أم لا؟ ولماذا لم يصبحوا شيعة إمامية إذن؟ بغض النظر عن كل تلك التساؤلات فان رواية الشيعة الإمامية (الاثني عشرية) في القرنين الرابع والخامس لها، وعدم رواية الكليني والصفار والمحدثين الإمامية السابقين لها، يكشف عن وضع تلك القصيدة واختلاقها، أو تزويرها والتلاعب بها بما بخدم نظريتهم في الإمامة في القرن الرابع الهجري.[64] وأما ما يدعيه الأميني من كون سليم بن قيس الهلالي "تابعي صدوق ثبت معول عليه عند علماء الفريقين" فهذا غير صحيح بالمرة، ولم يسند قوله لأي مصدر، إذ أن سليم الهلالي شخص مجهول لدى السنة والشيعة، ويحتمل أنه شخص مختلق، حيث كان الشيعة يشكون في وضع واختلاق كتاب سليم، وذلك لروايته عن طريق (محمد بن علي الصيرفي أبو سمينة ) الكذاب المشهور ، و (احمد بن هلال العبرتائي) الغالي الملعون ، وقد قال ابن الغضائري :" كان أصحابنا يقولون : ان سليماً لا يُعرف ولا ذكر له... والكتاب موضوع لا مرية فيه، وعلى ذلك علامات تدل على ما ذكرنا " . [65]
ولكن الأخباريين الحشويين من الشيعة الإمامية (كالصدوق والنعماني) اعتمدوا على ذلك الكتاب الذي ظهر في زمانهم، ووصفه النعماني :" بأنه من الأصول التي يرجع إليها الشيعة ويعولون عليها". بينما ضعَّف الشيخ المفيد (كتاب سليم) وقال:" انه غير موثوق به ولا يجوز العمل على أكثره ، وقد حصل فيه تخليط وتدليس ، فينبغي للمتدين ان يتجنب العمل بكل ما فيه، ولا يعوّل على جملته والتقليد لروايته ، وليفزع إلى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد".[66] وانتقد الشيخ المفيدُ الشيخَ الصدوقَ ، على نقله الكتاب واعتماده عليه، وعزى ذلك إلى منهج الصدوق الأخباري، وقال عنه:" انه على مذهب أصحاب الحديث، في العمل على ظواهر الألفاظ والعدول عن طرق الاعتبار، وهذا رأي يضرّ صاحبه في دينه، ويمنعه المقام عليه عن الاستبصار" .[67]
وهذا ما يؤكد اختلاق القصيدة من قبل الإمامية في القرن الرابع ونسبتها إلى (سليم بن قيس الهلالي) الذي نسبوا إليه أيضا القول الصريح بنظرية الإمامة الإلهية، وتحديد عدد الأئمة في إثني عشر إماما فقط.
وتأكيدا لنظرية النص الصريح على الإمام علي بالإمامة، يأتي "الإمامية" برواية أخرى ينسبونها الى الباقر الذي يرسلها إلى الإمام علي أنه خطب في أصحاب رسول الله بعد وفاته قائلا:"إن الله تبارك اسمه ... شدَّ بي أزر رسوله .. واختصني بوصيته واصطفاني بخلافته في أمته فقال (ص) .. : أيها الناس إن عليا مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي... كان ذلك منه استخلافا لي كما استخلف موسى هارون (ع) حيث يقول: "اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين". [68] ولكن هذه الرواية أيضا مشكوك بصحتها، وبلا سند، وشاذة، وتنطوي على تهمة بجر النار إلى قرص راويها.
ونلاحظ العنصر الأسطوري واضحا في بعض الروايات مثل هذه الرواية التي ينسبها الغلاة إلى الإمام الباقر، ويقول فيها: إن الإمام علي أخذ بيد أبي بكر فأراه النبي (ص) بعد وفاته، فقال له النبي: "يا أبا بكر آمن بعلي وبأحد عشر من ولده، إنهم مثلي إلا النبوة وتب إلى الله مما في يدك، فإنه لا حق لك فيه". [69]
وعلى فرض وجود النص الصريح على الإمام علي بالخلافة والإمامة، فإن نظرية الإمامة تفتقر إلى الأدلة الكافية للنزول إلى بقية الأئمة من ذرية علي والحسين. ولا يملك الإمامية سوى روايات عن الإمام محمد الباقر تنص على إخراج بقية أولاد علي كمحمد بن الحنفية وأبنائه وأبناء الحسن، الذين كانوا يتصدون لقيادة الشيعة في أواخر القرن الأول الهجري والقرن الثاني. [70] وهي روايات آحاد مجهولة ومشكوك بصحتها، وإن ثبتت روايتها عن الباقر فإنها لا تشكل دليلا شرعيا مقنعا، لاحتوائها على ادعاءات عظيمة (كائتمان الأئمة على ما ائتمن الله تعالى رسوله عليه من خلقه ومن غيبه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه)، ووجود التهمة باختلاقها في وقت متأخر.
وقد روى مؤسسو نظرية "الإمامة الإلهية" أحاديث عن الإمام الباقر تقول إن الإمام علي أوصى حين وفاته ولدَه بالسمع والطاعة للحسن والحسين، وإن الحسين أوصى لابنته الكبرى فاطمة ودفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة، وكان علي بن الحسين مبطونا لا يرون إلا أنه لما به، وأن فاطمة دفعت الكتاب إلى علي بن الحسين ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا.[71]
وإذا صحت هذه الرواية عن الباقر – ولا أعتقد أنها صحيحة – فإنها تعجز أيضا عن إثبات "الإمامة الإلهية" لبقية الأئمة لأنها:
أولا: خبر واحد مروي عن الباقر، ويصب في مصلحته، فلا يمكن أن يُقبل منه.
ثانيا: إن رواية الباقر لا تحمل النص الصريح بالإمامة، وإنما تعترف بوصية الحسين لأخته فاطمة، وصية ظاهرة لا تتحدث عن الإمامة.
ثالثا: لا يعرف أحد ماذا كان يوجد في الكتاب الملفوف، وبالتالي فهو لا يدل على النص على الإمامة.
رابعا: وإذا كانت الإمامة بالنص، فلماذا لم يتحدث الإمام الحسين عن الإمامة وانتقالها بالوراثة والنص والوصية من قبل؟ ولماذا انتظر حتى آخر ساعة يوم عاشوراء ليعطي أخته كتابا ملفوفا لكي تسلمه إلى زين العابدين الذي لم يكن يعرف أحد ماذا سيكون مصيره؟ وهل سيعيش؟ أم يموت عاجلا؟ ولماذا لم يتحدث إليه مباشرة؟
وهناك روايات أخرى مشابهة تعتمد على وراثة الكتب والسلاح، كدليل على الإمامة، ولكنها لا تتضمن نصا صريحا بالإمامة من واحد لآخر. [72]
ومما يؤكد ضعف كل تلك "الأدلة" والروايات، هو لجوء الإمامية الى تدعيم نظريتهم بالأساطير التي يسمونها "معاجز" كمعجزة تحدث الحجر الأسود والفصل بين زين العابدين وعمه محمد بن الحنفية في نزاعهما حول الإمامة. [73] وهي قصة يرويها الكليني والصفار وابن بابويه عن الإمام الباقر، مع أن الحجر الأسود لم يتحدث نصرة لرسول الله أيام دعوته في مكة، فكيف يقوم بحل مشكلة الإمامة بين علي بن الحسين وعمه ابن الحنفية؟ ولماذا؟ وهل كان علي بن الحسين مهتما بالإمامة حتى يطالب عمه بالتنازل له عنها؟ وهو الذي رفضها بعد أن أتته طائعة عندما عرضها عليه المختار بن عبيدة الثقفي، وتوسل إليه أن يقبل قيادة الشيعة بعد مقتل أبيه فرفض ذلك بشدة.
وإضافة إلى ذلك فإن تلك الرواية تتضمن اعترافا مبطنا بعدم وجود أية نصوص على إمامة السجاد أو أحقيته في مقابل دعوى عمه ابن الحنفية بالإمامة، وتكشف عن ثغرة كبيرة في نظرية الإمامة التي كانت تفتقد إلى النص الجلي في ذلك الزمان.
وإذا افترضنا صحة الأسطورة، وانها معجزة حدثت، فما هو الهدف منها؟ أليس إقناع الناس بإمامة زين العابدين؟ وهذا يفترض أن تكون المحاكمة علنية. فهل تمت المحاكمة أمام الناس؟ ليشهدوا المعجزة ويستفيدوا من ثمرتها؟ ومن هم أولئك الناس؟ وهل كان المسجد الحرام فارغا وقتها؟ ولماذا لا يذكر القصة أي مصدر محايد؟ وعلى فرض رواية الباقر لها فإنها لا تشكل حجة شرعية لوجود التهمة بالمصلحة السياسية من ورائها وإثبات الإمامة له من بعد أبيه.
ورغم أن القرآن الكريم ينفي علم الغيب عن أي أحد إلا بتعليم الله لبعض الرسل، فان أحد الغلاة السابقين، من أعضاء الحركة الكيسانية وهو أبو خالد الكابلي الذي كان خادما لمحمد بن الحنفية حتى وفاته ، قام باختلاق "معجزة" سرية أخرى تتحدث عن علم الإمام زين العابدين بالغيب، وإخبار الكابلي باسمه الحقيقي (كنكر) الذي لا يعرفه أحد.[74] وذلك في محاولة منه لإثبات "الإمامة الإلهية" لأبناء الحسين.
وبعد إقصاء محمد بن الحنفية وأبنائه، نظريا من الحق في الإمامة، لم يستطع الإماميون حصر الإمامة في أبناء الحسين، لمنافسة الحسنيين لهم وتصديهم للإمامة، ولم يجدوا ما يقولونه ضدهم سوى اتهامهم بالكذب، ونسبة أحاديث حول ذلك إلى الإمام الباقر.[75] أو الاحتجاج بهذه الآية:" وجعلها كلمة باقية في عقبه" وتأويل "الكلمة" والضمير البارز بالحسين. [76] رغم أن الآية تتحدث عن النبي إبراهيم (عليه السلام) وعن كلمة التوحيد.[77] فكيف يمكن أن يقوم الباقر بتأويلها بالإمامة وفي جده الحسين دون دليل؟
وربما كان الإمامية يشعرون بضعف موقفهم في تأسيس نظريتهم، فجاءوا بأسطورة أخرى هي "معجزة حصاة أم أسلم" التي رووها عن الإمام الباقر ، وزعموا أنه قال : إن أم أسلم جاءت إلى النبي (ص) فأخبرته أنها قد قرأت الكتب وعلمت كل نبي ووصي، وسألته: فمن وصيك يا رسول الله؟ فقال لها : هذا هو وصيي، ثم ضرب بيده إلى حصاة من الأرض ففركها بإصبعه فجعلها شبه الدقيق، ثم عجنها، ثم طبعها بخاتمه، ثم قال: من فعل فعلي هذا فهو وصيي في حياتي وبعد مماتي، فخرجت من عنده، ثم جاءت إلى أمير المؤمنين ففعل كما فعل رسول الله، ثم جاءت إلى الحسن والحسين ، وعمرت حتى لحقت بعلي بن الحسين وفعل كل واحد منهم كفعل رسول الله (ص)". [78]
ولم يقل لنا الإماميون من هي "أم أسلم" المعمرة التي لا يعرفها أحد في التاريخ؟ وأين كانت؟ ومن أين جاءت؟ وأين التقت علي بن الحسين؟ وكيف؟ ولماذا لم تأتِ إلى الباقر لكي يطبع خاتمه في حصاتها؟ ولماذا لم يفعل النبي الأكرم مثل تلك "المعجزة" أمام كفار قريش ليثبت لهم نبوته؟
ولكي يجرد أنصار الباقر خصومهم الزيدية (الحسنيين) من الحق بالزعامة، قاموا بنسبة حديث إلى الباقر ينتقد فيه عمه الإمام الحسن لاستسلامه أمام معاوية، وإغماده أربعين ألف سيف، على العكس مما فعل جده الحسين الذي قاتل بسبعين رجلا. [79] فهل يعقل أن ينتقد الباقر الإمام الحسن؟ أم أن هذا الحديث موضوع عليه ضمن عشرات أو مئات الأحاديث التي كان يضعها الغلاة بسهولة؟ ولا نقول ان الإمام الباقر كان معصوما، ولكن لا نعتقد أن التنافس السياسي مع أبناء عمه يدفعه إلى انتقاد عمه الحسن على تنازله لمعاوية.
وربما يكون الباقر قد ادعى الحق بالثأر لمقتل جده الحسين، باعتبار أنه أولى من غيره به لأنه ولي الدم وأحق الناس به، وأنه قد استشهد بقوله تعالى :"ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا". [80] ولكن ما علاقة هذه الآية بالحق في الإمامة ؟
وأما حكاية "امتلاك الباقر لسلاح رسول الله" ووراثته من أجداده، التي يسوقها الإماميون أيضا لإثبات حق الإمام الباقر في الإمامة، دون بني عمه الحسنيين، وينسبون إليه قوله:" إن السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل كان حيثما دار فثم الملك، وحيث ما دار السلاح فثم العلم". فهي حكاية غير قابلة للتصديق، ونستبعد أن يكون الإمام الباقر قد لجأ إليها لإثبات إمامته. انطلاقا من عدم جواز تعليق أمر الإمامة على أمر سري لا يعلم به أحد، ولا يمكن إثباته لأحد، أو يمكن للآخرين ادعاء ما يشابهه، حيث تقول الروايات نفسها : إن الإمام الباقر لم يستطع إظهار سلاح رسول الله للملأ، وأن ابن عمه عبد الله بن الحسن بن الحسن، كان يدعي في نفس الوقت امتلاكه لسلاح رسول الله.
لقد كان الإمامية يحاولون بشتى الوسائل والطرق رسم هالة مقدسة حول الإمام محمد الباقر، وتحويله من إنسان عادي إلى "إمام معصوم معين من قبل الله" ولكنهم عجزوا في إقناع قطاع كبير من الشيعة الذين لم يكونوا يفرقون بينه وبين أخيه زيد بن علي، الذي رفع راية الجهاد والثورة والثأر للحسين، مما أدى إلى التفاف كثير من الشيعة حوله، ودعوتهم إياه للخروج.
وبعد انهيار حجج الإمامية الواحدة تلو الأخرى، لم يجدوا ما يدعمون به دعواهم حول "إمامة الباقر" سوى طرح موضوع "العلم".[81] ولكنهم لم يستطيعوا إثبات أعلميته من غيره، غير ما قالوا من وراثة الباقر لكتب من أبيه. وهذا أمر – إن صح - لا يوجد فيه دليل على الإمامة أو أي شيء آخر.
وهناك روايات ينقلها الكليني في "الكافي" أن الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري (توفي سنة 78) أخذ بيدالباقر وقال:" إن رسول الله (ص) أخبرني أني سأدرك رجلا من أهل بيته يقال له: محمد بن علي يكنى أبا جعفر، فإذا أدركته فاقرأه مني السلام" وأن زين العابدين قال له: "هنيئا لك يا بني ما خصك الله به من رسوله من بين أهل بيتك لا تطلع اخوتك على هذا فيكيدوا لك كيدا، كما كادوا اخوة يوسف ليوسف عليه السلام".[82] ولا يوجد طريق لإثبات هذه الروايات إلا من طريق الإمامية، وهو ما يثير الشك باختلاقها من قبلهم لإثبات إمامة الباقر، خاصة وأن الرواية الآنفة تصرح بأن الأمر كان سريا، وأن أباه نهاه عن إطلاع اخوته عليه، فكيف عرف بقية الناس؟ وكيف أصبح ذلك دليلا على الإمامة؟ مع أن الرواية - إن صحت - لا تحمل من معنى سوى السلام فقط.
ومما يؤكد أن الإمام محمد الباقر كان بعيدا عن ادعاء أي منزلة غير عادية، كالإمامة الإلهية، هو عدم وصيته بالإمامة إلى ابنه جعفر الصادق، فقد اكتفى بالوصية إليه بتغسيله وتكفينه ودفنه.[83] وإذا لم تثبت الإمامة الإلهية لمحمد الباقر، فإنها بالطبع لا تثبت لابنه جعفر الصادق، ولا إلى سائر "الأئمة" الآخرين.
ولعل الإمام الباقر كان يحاول التبرؤ من كثير من الجماعات التي تدعي التشيع له، وتنسب إليه أمورا لا يعرفها، عندما قال: إن "ثلاث عشرة فرقة تنتحل ولايتنا ومودتنا، اثنتا عشرة فرقة منها في النار وفرقة في الجنة".[84]
[3] - وقالا :"إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله (ص) وجعل لكل شئ حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا". الكليني، الكافي، كتاب العقل، كتاب فضل العلم، باب الرد إلى الكتاب والسنة،ح رقم 2 وقال الصادق :" يا زرارة ! إياك وأصحاب القياس في الدين ، فانهم تركوا علم ما وكلوا به، وتكلفوا ما قد كفوه، يتأولون الأخبار، ويكذبون على الله عزّ وجلّ، وكأني بالرجل منهم ينادى من بين يديه، فيجيب من خلفه، وينادى من خلفه ، فيجيب من بين يديه ، قد تاهوا وتحيروا في الأرض والدين". أمالي المفيد : 51 | 12. وحذر من التصديق "بالأحاديث الكاذبة على الله التي يكذبها القرآن ويتبرأ منها ومن حملتها ورواتها". الكليني، الكافي، كتاب الروضة، ح رقم 8240 - 1
[6] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء، ح رقم 2 وباب أن الأئمة ورثة العلم، ح رقم 2 و 3و 4و 5 و 7
[10] - كالحديث المنسوب إلى الباقر :"كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل" أوقوله لسلمة بن كهيل ، والحكم بن عتيبة: "شرِّقا وغرِّبا فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت". الوافي، ح رقم [ 33236 ] عن بصائر الدرجات : 531 | 21. و ح رقم [ 33224 ] عن الكافي 1 : 329 | 3
[11] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أنه ليس شيء من الحق في يد الناس إلا ما خرج من عند الأئمة، ح رقم 5
[15] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أن الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه، ح رقم 2 و باب أن الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة، ح رقم 1 و2 و 3
[17] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أن الله لم يعلم نبيع علما إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين، ح رقم 1 و 2 و 3
[28] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة، ح رقم 1
[29] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة، ح رقم 2
[31] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون، ح رقم 4 والصفار، بصائر الدرجات، ج 3 ، باب 5 (مالا يحجب عن الأئمة علم السماء وأخباره وعلم الأرض وغير ذلك) ح رقم 3
[34] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء، ح رقم 4
[36] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء، ح رقم 1و 2 و3 و4
[37] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب في أن الأئمة محدثون مفهمون، ح رقم 2 وكان من الطبيعي أن تثير هذه الدعوى تساؤلا عند الشيعة عن احتمال كون ما يدعي "المحدَّث" أنه يسمعه: من وحي الشيطان؟ وكيف يعرف بأنه ملك؟ فكان الرد عليهم: أنه "يعطى السكينة والوقار حتى يعلم أنه كلام ملك". الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب في أن الأئمة محدثون مفهمون، ح رقم 4
[39] - الصفار، بصائر الدرجات، ج 7 باب 6 ح رقم (13)
[40] - الصفار، بصائر الدرجات، ج 7 باب 6 ح رقم (13) وعن زرارة عن أبي جعفر قال الأنبياء على خمسة أنواع منهم من يسمع الصوت مثل صوت السلسلة فيعلم ماعنى به ومنهم من ينبأ في منامه مثل يوسف وإبراهيم ومنهم من يعاين ومنهم من ينكت في قلبه ويوقر في أذنه. الصفار، بصائر الدرجات، ج 8، باب 1 في الفرق بين الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام ومعرفتهم وصفتهم ، ح رقم (6)
[41] - - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب في أن الأئمة محدثون مفهمون، ح رقم 5 والصفار، بصائر الدرجات، ج 7 باب 6 ح رقم (10)
[42] - الصفار، بصائر الدرجات، ج 8، باب 1 في الفرق بين الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام ومعرفتهم وصفتهم ، ح رقم (6)
[44] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب في أن الأئمة محدثون مفهمون، ح رقم 5 وباب في أن الأئمة بمن يشبهون ممن مضى وكراهة القول فيهم بالنبوة، ح رقم 1 و 4 و 5
[49] - وقال أبو عبدالله:" إن حديثنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا صدور منيرة أو قلوب سليمة أو أخلاق حسنة". و"إن علم العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان". الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب، ح رقم 1 و 2 و3 و 4
[50] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب التسليم وفضل المسلمين، ح رقم1
[52] - الصفار ، بصائر الدرجات : 123 عن على بن محمد ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود ، عن يحيى ابن أديم عن شريك ، عن جابر قال : قال أبو جعفر: دعا رسول الله (ص) أصحابه بمنى فقال...
[54] - الكشي في ترجمة جابر بن عبد الله الأنصاري. وروى الكشي عن محمد بن مسلم، وزرارة، قالا: سألنا أبا جعفر عن أحاديث فرواها عن جابر، فقلنا مالنا ولجابر ! المصدر.
[55] - وقد وردت كلمة "أهل البيت" في القرآن الكريم مرتين، مرة في سورة هود في خطاب زوجة النبي إبراهيم (ع) :" وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب. قالت: يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا؟! إن هذا لشيء عجيب. قالوا: أتعجبين من أمر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد" 71- 73 ومرة أخرى في سورة الأحزاب في مخاطبة نساء النبي:"وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". الآية 33
[56] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، ح رقم 501
[62] - رغم أن الشريف المرتضى ينفي في كتابه "الشافي" أن يكون حديث الغدير نصا جليا في الإمامة، وينفي علمه بقول أحد من الشيعة ذلك، ويقول ردا على القاضي الهمداني، صاحب كتاب "المغني" الذي اتهم الشيعة بالإمامية بالقول بالنص الجلي:" إنه نص خفي، وليس بنص جلي". الشافي ج 2 ص 128
[63] - الأميني، الغدير ، ص 7 http://www.aqaed.com/shialib/books/all/2ghdir02/2ghdir02-01.html#2gdr02
[64] - وقد ترافقت رواية تلك القصيدة مع ظهور القول بالاثني عشرية اعتمادا على كتاب سليم بن قيس الهلالي، كما ذكر المؤرخ الشيعي المسعودي (توفي سنة 345 هـ ) في (التنبيه والإشراف):" ان أصل القول في حصر عدد الأئمة باثني عشر ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه". المسعودي، التنبيه والإشراف، ص 198 ، والأميني، الغدير، ج 1، ص 195
[69] - الكافي، كتاب الحجة، باب في الاثني عشر والنص عليهم، ح رقم 13 ويلاحظ أن هذه الرواية تتضمن فكرة الاثني عشرية، وهي فكرة طرأت على الشيعة الإمامية في القرن الرابع الهجري، مما يقوي الاحتمال باختلاقها في ذلك الزمان، أو إضافة هذه الفقرة على الرواية الصادرة في القرن الثاني، والمنسوبة للإمام الباقر.
[73] - الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب ما يضل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، ح رقم 5 والصفار، بصائر الدرجات، ج 10 ص 502، وابن بابويه، الإمامة والتبصرة من الحيرة، ص 60
[76] - الخزاز، كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، ص 246
[77] - يقول السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان:" قوله تعالى: "وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون" الظاهر أن ضمير الفاعل المستتر في "جعلها" لله سبحانه، و الضمير البارز - على ما قيل - لكلمة البراءة التي تكلم بها إبراهيم (عليه السلام) و معناها معنى كلمة التوحيد ... و المراد بعقبه ذريته و ولده، و قوله: "لعلهم يرجعون" أي يرجعون من عبادة آلهة غير الله إلى عبادته تعالى أي يرجع بعضهم - و هم العابدون لغير الله بدعوة بعضهم و هم العابدون لله - إلى عبادته تعالى، و بهذا يظهر أن المراد ببقاء الكلمة في عقبه عدم خلوهم عن الموحد ما داموا، و لعل هذا عن استجابة دعائه (عليه السلام) إذ يقول: "و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام": إبراهيم: 35.
[84] - الكليني، الكافي، كتاب الروضة، ح رقم 283 وجاء سدير فقال له: إني تركت مواليك مختلفين يتبرأ بعضهم من بعض قال: فقال: وما أنت وذاك، إنما كلف الناس ثلاثة: معرفة الأئمة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه. الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب التسليم وفضل المسلمين، ح رقم 1 وهذا ما يفسر قول الإمام الصادق:" إنا أهل بيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس" . و" إن فيهم من يكذب حتى أن الشيطان ليحتاج إلى كذبه.. لعنهم الله فإنا لا نخلو من كذاب يكذب علينا أو عاجز الرأي، كفانا الله مؤنة كل كذاب وأذاقهم حر الحديد". و" إن ممن ينتحل هذا الأمة لمن هو شر من اليهود، والنصارى، والمجوس، والذين أشركوا". و"لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا ممن ينتحل مودتنا ". و"ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين، إلا وهي فيمن ينتحل التشيع". و"لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم ". الخوئي، معجم الرجال،1681 عن الكشي. ترجمة بن أبي زينب الأسدي، ح رقم5 و9 و 11 و 18، الطائفة الثانية